الشيخ مبروك وجيه مبروك : بين الميزان والتوازن النفسي والروحي
اكد الشيخ/ مبروك وجيه مبروك امام وخطيب بوزارة الاوقاف انه
من الأمور التي يجب لفت الانتباه إليها حينًا بعد حين مبدأ التوازن؛ فالتوازن سر نجاح الإنسان وتميزه، وعند النظر في مسيرة الحياة كلها نجد أنها تقوم على قاعدة من التوازنات المعقدة، وينبغي للإنسان ألا يخرج عن ذلك؛ فالانسجام مع ما بثه الله – تعالى- من سنن في كل أرجاء الحياة مصدر مهم للفلاح والنجاح.
فالتوازن النفسي هو غلبة المشاعر الإيجابية, والرضى النفسي وهو القناعة بما هو موجود, وهو حالة دينامية تكاد تتساوى فيه كفتان كالميزان تحمل كل منهما شيئا يناقض بحيث يسمح هذا التوازن بحالة من الاستقرار النفسي.
*** إذًا كيف أحقق التوازن النفسي والروحي في حياتي؟
يحتاج خلق التوازن في حياتك إلى أخذ جميع عناصر حياتك بعين الاعتبار والتي يمكن أن نقسّمها إلى فئتين أساسيتين:
– عناصر داخلية، تشملك أنت كشخص، ويندرج تحتها قلبك وعقلك والجانب الروحي فيك.
– عناصر خارجية تشمل كلّ العوامل المحيطة بك من أشخاص أو أماكن، مثل العمل، النشاطات الاجتماعية، العائلة ووسائل الترفيه.
………فلابد من التحمل………
لا يُمكن للقنافد أن تقترب من بعضها البعض..فالأشواك التي تُحيط بها تكون حصناً منيعاً لها..
ليس عن أعدائها فقط بل حتى عن أبناء جلدها..
فإذا أطلّ الشتاء برياحه المتواصلة و برودته القارسة إضطرت القنافد للإقتراب والإلتصاق ببعضها طلباً للدفء ومتحملة ألم الوخزات و حدّة الأشواك .. وإذا شعرت بالدفء إبتعدت .. حتى تشعر بالبرد فتقترب مرة أخرى وهكذا تقضي ليلها بين إقتراب و إبتعاد ..
الإقتراب الدائم قد يكلفها الكثير من الجروح .. والإبتعاد الدائم قد يُفقدها حياتها ..
كذلك هي حالتُنا في علاقاتنا البشرية ..
لايخلو الواحد منا من أشواك تُحيط به وبغيره ولكن لن يحصل على الدفء مالم يحتمل وخزات الشوك والألم ..
لذا ..من إبتغى صديقاً بلاعيب عاش وحيداً ..
ومن إبتغى زوجةً / زوج بلانقص عاش أعزباً ..
ومن إبتغى أخاً بدون مشاكل عاش باحثاً ..
ومن إبتغى قريباً كاملاً عاش قاطعاً لرحمه ..
فلنتحمل وخزات الآخرين حتى نعيد التوازن إلى حياتنا ..
إذا أردت أن تعيش سعيداً ..
فلا تفسر كل شيء ، ولاتدقق بكل شيء ، ولاتحلل كل شيء ،
فإن الذين حللوا الألماس وجدوه فحما ..
التوازن النفسي هو الوسطية في قمة تجلياتها، وهي صفة أصيلة في الأمة الإسلامية أهلتها لتكون شهيدة على الأمم، قال تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا..» البقرة/143.
والوسطية هي السبب في خيرية الأمة الإسلامية التي أخرجها الله تعالى للناس رغم أنها من الناس إلا أنها تميزت عنهم بأنها صاحبة الرسالة الخاتمة، والرسول الخاتم، والمعجزة الخاتمة والباقية، بل الشريعة الكاملة، قال تعالى: «كُنتُم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..» آل عمران/110.
وحين أراد الحق تبارك وتعالى أن يقدم الانموذج الأمثل للأمة بين الأمم قاطبة ذكر من أوصافها في سورة الفرقان قوله تعالى: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما» الآية 67.
فهم ينتهجون المنهاج الوسط في معايشهم وفي إنفاقهم، لا يسرفون ولا يقترون، وأيضاً هم كذلك في مشاعرهم وعواطفهم، لا يبالغون في الحب فيخلعون على من أحبوا محاسن غيرهم، ولا يبالغون في البغض، فيسلبون من أبغضوهم محاسنهم ويضخمون مساوئهم، وأيضاً فربما يكون المحبوب اليوم مبغوضاً غداً، وربما يكون المبغوض اليوم محبوباً غداً، فهم عند الخصومة لا يفجرون بحيث يغلقون كل المنافذ التي ربما يحتاجون إلى بعضها في يوم من الأيام، وذلك حين تهدأ ثورتهم ويستعيدون وعيهم.
لقد شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم على مبالغة البعض في العبادة إلى الحد الذي يخرجه عن حد الاعتدال، فقال صلوات ربي وسلامه عليه: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثاً. رواه مسلم. والمتنطعون هم المتشددون في غير موضع التشديد.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغُلوّ في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم بالغلوّ في الدين» رواه أحمد والنسائي، كما حضّ رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على الرفق في الامور كلها، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» متفق عليه.
جعلنا الله وإياكم ممن رضي فقنع، أسعدكم الله في الدنيا والآخرة …..