نورهان رفعت إبراهيم : الصلاة الصحيحة فى شهر رمضان
ونحن في هذا الشهر الكريم تٌطرح تساؤلات كثيرة من الصائمين لا سيما الأسئلة المتعلقة بصلاة التراويح، وقد اجتهد الفقهاء في استنباط الفتاوى التي تخفف على الناس، وقد اخترت منها
حكم الصلاة على الكرسي في صلاة التراويح وهل حكمه كحكم القعود على الأرض؟
القيام ركنٌ في صلاة الفريضة لمن يقدر عليه؛ لقوله تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238]، فإذا لم يستطع المصلي القيامَ أو شق عليه مشقَّةً شديدةً جاز له الصلاة قاعدًا، وكذلك الحال في حق الصحيح في صلاة النافلة مع نقص أجرها بالنسبة له، وسواءٌ جلس القاعد على الأرض أم جلس على شيء مرتفع عنها فكل ذلك جائز له شرعًا؛ إذْ إنَّ الشرعَ الشريف لم يفرِّق في هذا المقام بين الجلوس على الأرض وبين الجلوس على شيءٍ مرتفعٍ عنها، والقعود في الصلاة لمن يُرَخَّصُ له فيه يستوي فيه الأمران، ولم يَقُل بالتفريق بينهما أحدٌ من علماء المسلمين على مرّ العصور والدهور.
ولقد أباح الشرع الشريف الصلاة بالقعود على الراحلة في نفس موضع إباحة صلاة القاعد، وهو التنفُّل مطلقًا؛ فهذا قعودٌ وهذا قعود، ولا فرق بينهما؛ فقد أخرج البخاري في “صحيحه” عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ»، وأخرج عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا «يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا»، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ. وأخرج عن عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ».
وبالتالي فإن الصلاة بالقعود على الكرسي لها نفس أحكام الصلاة بالقعود على الأرض بلا فرق؛ حيث لم يأت في الشرع تخصيصٌ للقعود بكونه على الأرض، ولا جاء هذا عن أحدٍ من علماء المسلمين، وليس في الشرع ما يتعارض معه، وتضييق الواسع ابتداعٌ في الشرع ما أنزل الله به من سلطان.
وعلى من ابتُلي بهذا أن يبذل الوُسع في الأكمل لصلاته، وأن يراعي ما يستطيع أداءه من هيئتي الركوع والسجود على ما ذكرنا؛ بحيث إن الصلاة على الكرسي تحرم عليه إن كانت تمنعه من السجود الذي يستطيعه إذا جلس على الأرض، كما ينبغي أن يُراعَى في ذلك استواءُ الصفوف؛ بحيث يُجعَل لأصحاب الكراسي صف مستقل أو مواضع محددة على طرفي الصف، وأن يكون حجم الكراسيِّ متناسبًا مع مساحة المسجد والمسافة بين الصفوف؛ مما لا يضيِّق على المصلين صلاتهم. والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.
نورهان رفعت إبراهيم
باحثة شرعية بدار الإفتاء