الشيخ عادل غباشى : تهيئة النفوس لاستقبال شهر رمضان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان الي يوم الدين.
وبعد……
– أحب أن أبدأ هذا اللقاء بعدد من الرسائل.
الرسالة الأولى: نتوجه فيها جميعا بالحمد والشكر والثناء على الله -سبحانه وتعالى-أن بلغنا شهر رمضان، لأن بلوغ شهر رمضان نعمة عظيمة من الله -سبحانه وتعالى تستوجب الحمد والشكر.
كان النبي يدعوا ربه قائلا) اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان).
وكان السلف يقول” اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا”
لأن اللحظة في شهر رمضان تساوي الدنيا وما فيها.
عن طلحة بن عبيد الله أن رجلين من بلي قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا فكان أحدهما أشد اجتهاداً من الآخر فغزا المجتهد منهما فاستشهد ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي قال طلحة فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما ثم خرج فأذن للذي استشهد ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنه لم يأن لك بعد، فأصبح طلحة يحدث به الناس فعجبوا لذلك فبلغ ذلك رسول الله صلى اللهم عليه وسلم وحدثوه الحديث فقال: من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله هذا كان أشد الرجلين اجتهاداً ثم استشهد ودخل هذا الآخر الجنة قبله!! فقال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم: ((أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى، قال: وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا: بلى، قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم: فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض)) [ابن ماجه)
= والله الذي لا اله إلا هو هناك أناس الآن تحت التراب في القبور يتمن الواحد منهم أن لو عاد إلي الدنيا مرة أخري ليصوم لله يوما واحدا، أو يسجد لله سجدة واحدة، أو يسبح لله تسبيحه واحدة أو أن يقرأ حرف من كتاب سبحانه وتعالي.
ولكن هيهات هيهات أن يعودوا ألي الدنيا مرة أخري، فأنت الان في الامنية أنت الآن في دار الدنيا فماذا أنت صانع؟
مر سليمان عليه السلام على فلاح كان يعمل على الأرض، فنظر الفلاح فرأى سليمان على بساط الريح، فقال الفلاح: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، فذهبت الكلمة؛ لأن هذه الكلمة -سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر-
لا تنزل في الأرض بل تصعد في السماء، والدليل على أنها تصعد هو قوله تعالى: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» (فاطر:10).
وتابع: قال الفلاح: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، فسمع سليمان الكلمة فقال للفلاح -وقد هبط عنده: ماذا قلت؟ قال: مررت بي فرأيت ملكك فأعجبني ملكك، فقلت: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، فقال سليمان: والذي نفسي بيده! لقولك: سبحان الله خير مما أوتي آل داود».
فأسال الله أن يبارك لنا فيه، وفي أيامه، وأن يبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا، وأن يجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعملهم، وأن يجعل عملنا خالصا لوجه الكريم إنه على كل شيء قدير، فنعم المولى ونعم النصير.
الرسالة الثانية: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يستقبل الهلال سواء كان هلال شهر رمضان أو غيره من الشهور بالدعاء الي الله سبحانه وتعالي، فكان يقول “اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله”. [رواه أحمد والترمذي].
وفي رواية ” اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ”
وفي رواية قال: ((اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال رشد وخير)). رواه أبو داود والترمذي وابن حبان
فالنبي كان يستفتح الشهر بالدعاء الي الله -سبحانه وتعالي-سائلا الله أن يرزقنا فيه الأمن والأمان والسلامة من الآفات والأمراض والمصائب والفتن، وأن يثبتنا فيه على الإيمان والإسلام والطاعة فيما يحبه ويرضي.
فنسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يشفي أمراضنا وأمراض المسلمين، وأن يزيل عنا الكرب، وأن يكشف عنا الهم، وأن يجعل لنا من كل ضيق فرجا ومن كل هم مخرجا، وأن يرزقنا السلامة في الدنيا وفي الاخرة، إنك يا ربنا على كل شيء قدير.
الرسالة الثالثة: كان من حسن استقبال النبي (صلى الله عليه وسلم) لشهر رمضان أنه كان يهنئ الصحابة ويبشرهم بقدوم شهر رمضان فكان يقول: “جاءكم رمضان” ” اتاكم رمضان” في رواية أخرى قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “أتاكم رمضان شهر خير وبركة، يغشاكم الله فيه، فينزل السكينة، وينزل الرحمة، ويحط الخطيئة، ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه، فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حُرم فيه رحمة الله”
وفي رواية قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا قَدْ حُرِمَ.
هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان، والنبي كان يبشر الأمة ويهنئهم بقدوم شهر رمضان لكي يستعد كل واحد منهم من أول يوم لاستقبال شهر رمضان.
-فكيف لا يبشرُ المؤمن بشهر أوله رحمة واوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
-كيف لا يبشرُ المؤمن بشهر تفتح فيه أبواب الجنان.
-كيف لا يبشرُ المذنب فيه بغلق أبواب النيران.
– كيف لا يبشرُ العاقل بوقت يُغلُّ فيه الشيطان.
-كيف لا نبشر بشهر تتنزل فيه الرحمات، وتتضاعف فيه الحسنات، وتغفر فيه السيئات، وتستجاب فيه الدعوات.
**الرسالة الرابعة: ونحن على أبواب شهر رمضان، عاهد ربك من الآن أن يكون شهر رمضان في هذا العام شهرا متميزا، شهرا مختلفا عن بقية الشهور التي مضت، انوي من الآن فعل الخير دائما.
قال أحد الصالحين:” انوي فعل الخير فانك لا تزال بخير ما نويت الخير”
لأن نية المؤمن خير من عمله، العمل قد يدخل فيه الرياء إنما النية لا يدخل فيها الرياء.
ارسم لنفسك الخطة من الآن التي ستسير عليها في شهر رمضان، كم من القرآن ستقرأ؟ كم من الصدقات ستخرج؟ كم من التسبيح ستسبح وتذكر الله؟ كم من النوافل ستصلي؟ كيف ستقضي النهار؟ كيف ستقض الليل؟
هتعمل إيه… أنا عاوز أترقي وأرتقي في شهر مضان، عاوز أوصل الي درجة القرب والحب الي الله -سبحانه وتعالي -عاوز أحصل في نهاية رمضان علي شهادة المتقين، علي شهادة العتق من النار، علي صك الغفران من الله .
اسمع ماذا قال الله في الحديث القدسي: ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه)) فأداء الفرائض والاهتمام بها أحب إلى الله من الانشغال بالنوافل الكثيرة، ثم إن للنوافل أثرها وأجرها ((وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأُعيذنه)) أخرجه البخاري.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله: ((إذا أحبَّ الله العبدَ نادى جبريلَ: إنَّ الله يحب فلانا فأحبِبْه، فيحبُّه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحبُّ فلانا فأحبُّوه، فيحبُّه أهل السماء، ثم يوضَع له القبول في الأرض)). جزاءُ العمل الصالح المودَّةُ في قلوبِ المؤمنين، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم:96].
ثم ادع الله تعالي ان يعينك وأن يوفقك لأداء هذه الأعمال، فالمعان هم من اعانه الله، والموفق هو من وفقه الله، قال تعالى-:( وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب) اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
هذا والحمد لله رب العالمين …
عادل عبد الله السيد
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف