كارين ياسر توفيق تكتب .. تأملات ثقافية حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب المصري
باقلام الشباب
في عالمنا الرقمي السريع، يجد الشباب المصري أنفسهم يبحرون في فضاء جديد وغير مسبوق – وسائل التواصل الاجتماعي. منصات مثل إنستغرام وتيك توك وفيسبوك أصبحت جزءًا أساسيًا من حياتهم اليومية، لنشهد معها فرصًا وتحديات تعيد تشكيل سلوكياتهم ومواقفهم. ورغم أن هذه المنصات توفر مساحات للتواصل والإبداع، إلا أنها تأتي أيضًا بمخاوف جديدة، خاصة فيما يتعلق بالصحة النفسية، الهوية، والثقة بالنفس.
سلاح ذو حدين: التواصل أم العزلة؟
من ناحية، تتيح وسائل التواصل الاجتماعي للشباب الفرصة للبقاء على اتصال مع الأصدقاء، واكتشاف الاتجاهات الجديدة، بل وحتى أن يصبحوا مؤثرين. لكن الأبحاث تكشف أن الاستخدام المفرط لهذه المنصات قد يحمل تأثيرات سلبية. إذ يميل الشباب إلى مقارنة أنفسهم بالحياة المثالية والمصطنعة التي يعرضها المؤثرون، ما يخلق لديهم شعورًا بالنقص والقلق. يشعر الكثيرون بضغط دائم لمشاركة تحديثات حياتهم، خوفًا من الشعور بالإقصاء أو ما يعرف بـ “الخوف من فقدان الفرصة” “FOMO” (Fear of Missing Out)
الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي أصبح مصدر قلق متزايد. فالمسألة ليست فقط في عدد الساعات التي يقضونها في التصفح، بل في التأثير النفسي. حيث تؤدي الصور المثالية التي يروها الشباب إلى تشكيكهم في قيمتهم الذاتية. وفقًا للأبحاث، هذا التعرض المستمر لمعايير غير واقعية قد ساهم في زيادة معدلات الاكتئاب، التهور، وحتى العزلة الاجتماعية. المثير للدهشة، أن العديد من الشباب يعترفون بأنهم يشعرون بالوحدة بعد يوم طويل من التفاعل الافتراضي، رغم تواجدهم الدائم على الإنترنت.
وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية: ماذا يحدث؟
في مصر، حيث تلعب الروابط الاجتماعية والعائلية دورًا مركزيًا في الحياة اليومية، أصبح تأثير إدمان وسائل التواصل الاجتماعي أكثر وضوحًا. من خلال التحدث مع الشباب، نكتشف أن الاستخدام المفرط يؤدي غالبًا إلى اضطرابات في نمط النوم، وزيادة التهور، وتراجع الأداء الأكاديمي. يعترف الكثيرون بأنهم يتحققون من الإشعارات حتى وقت متأخر من الليل، ليستيقظوا في اليوم التالي وهم مرهقون وذو تركيز ضعيف. بالنسبة للبعض، هذه الدورة تؤدي إلى القلق والاكتئاب، حيث يشوه التعرض المستمر لـ “الأجزاء المضيئة” من حياة الآخرين تصورهم للواقع.
لكن الأمر ليس سيئًا بالكامل. وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون منصة للتعبير والتغيير. الشباب المصري، بفضل طاقتهم الإبداعية، استغلوا هذه المساحات للنشاط الاجتماعي، والفخر الثقافي، والنمو الشخصي. من دعم القضايا المحلية إلى عرض المواهب الفنية، هناك أمل في كيفية تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي على تشكيل المواقف.
التوازن بين العالم الرقمي والواقعي: دعوة لليقظة
من الواضح أن وسائل التواصل الاجتماعي باقية، لكن تحقيق التوازن هو المفتاح. يجب على الآباء والمعلمين والمهنيين النفسيين الانخراط في محادثات مع الشباب حول الاستخدام المسؤول لهذه المنصات. من خلال نشر الوعي وتشجيع الأنشطة خارج الفضاء الرقمي، يمكننا ضمان أن يظل الشباب المصري مرنًا نفسيًا وعاطفيًا في مواجهة التحديات الرقمية المتزايدة.
في الختام، وسائل التواصل الاجتماعي في مصر ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي قوة تشكل مستقبل شبابنا. وبينما نواصل فهم تأثيراتها، من الضروري دعم توازن صحي بين التفاعل الرقمي والروابط الحقيقية. هذا التوازن سيساهم في ازدهار جيل الشباب في كلا العالمين، الرقمي والواقعي.
كارين ياسر توفيق