اخر الاخباراخبار البنوك

خبير: فيتنام تدخل 2026 باقتصاد صناعي صاعد رغم ضغوط التضخم والرسوم الأمريكية

قال الدكتور عبد الرحمن طه خبير الاقتصاد الرقمي إن اقتصاد فيتنام يقدّم نموذجًا واضحًا لاقتصاد صناعي صاعد، يجمع بين تضخم تحت السيطرة ونشاط استثماري وتجاري قوي، رغم تصاعد الضغوط من جانب أسعار الغذاء والرسوم الأمريكية الجديدة. وأوضح طه أن معدل التضخم السنوي في فيتنام ارتفع إلى 3.58٪ في نوفمبر 2025 وهو أعلى مستوى منذ يناير بعد أن كان 3.25٪ في أكتوبر، مدفوعًا أساسًا بتسارع تضخم الغذاء إلى 3.29٪ مقابل 2.09٪، حيث قفزت أسعار المواد الغذائية إلى 3.85٪ مقارنة بـ 1.96٪، وارتفعت تكاليف الوجبات والمشروبات خارج المنزل إلى 4.05٪ مقابل 3.96٪. كما صعدت أسعار السلع والأدوات المنزلية إلى 1.78٪ مقابل 1.69٪، والخدمات الطبية والصحية إلى 12.65٪ مقابل 12.63٪، في حين ارتفعت تكاليف النقل بنسبة 1.11٪ بعد أن كانت شبه مستقرة عند -0.02٪ في الشهر السابق. وفي المقابل، تباطأ نمو الأسعار في الملابس والقبعات والأحذية إلى 1.41٪ مقابل 1.50٪، والمشروبات والسجائر إلى 2.20٪ مقابل 2.36٪، كما هدأت وتيرة ارتفاع أسعار الإسكان ومواد البناء إلى 5.73٪ بعد 6.76٪، بينما سجّل التضخم الأساسي – باستثناء العناصر شديدة التقلب – تراجعًا طفيفًا إلى 3.28٪ من 3.30٪، وارتفع مؤشر الأسعار على أساس شهري بنسبة 0.45٪ وهي أكبر زيادة في خمسة أشهر مقارنة بـ 0.20٪ في أكتوبر، بما يعكس ضغوطًا أعلى في الغذاء لكنها ما زالت داخل نطاق يمكن للبنك المركزي التعامل معه.

وأشار طه إلى أن الصورة تصبح أكثر قوة عند النظر إلى جانب الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث ارتفع FDI المحقّق في فيتنام بنسبة 8.9٪ على أساس سنوي ليصل إلى 23.6 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر 2025، وهو أعلى مستوى في أحد عشر شهرًا خلال السنوات الخمس الأخيرة، وذهب نحو 82.9٪ من هذا التدفق – أي ما يعادل 19.56 مليار دولار – إلى قطاع التصنيع والمعالجة، بينما استقطب قطاع العقار 1.67 مليار دولار (بنسبة 7.1٪) وقطاع إنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز والمياه الساخنة والبخار وتكييف الهواء نحو 754.9 مليون دولار (بنسبة 3.2٪). كما ارتفع حجم الاستثمارات الموعودة (FDI Pledges) – التي تعكس التدفقات المستقبلية – بنسبة 7.4٪ ليصل إلى 33.69 مليار دولار، وهو ما يراه طه دليلًا مباشرًا على ثقة المستثمرين في الآفاق طويلة الأجل للاقتصاد الفيتنامي، خاصة مع تصدّر سنغافورة قائمة المستثمرين الجدد بـ 4.29 مليارات دولار تمثّل 26.9٪ من رأس المال المسجَّل حديثًا، تليها الصين بنسبة 21.3٪، ثم هونغ كونغ (10.4٪) واليابان (9.8٪).

وأضاف طه أن الطلب المحلي لا يزال يشكّل ركيزة أساسية للنمو، رغم علامات تهدئة تدريجية؛ إذ ارتفعت مبيعات التجزئة في نوفمبر بنسبة 7.1٪ على أساس سنوي مقارنة بـ 7.2٪ في أكتوبر، وهي أبطأ وتيرة منذ أكتوبر 2024، ويرجع ذلك إلى تباطؤ الإنفاق في الإقامة وخدمات الغذاء إلى 13.6٪ من 14.1٪، وتراجع نمو الخدمات الأخرى إلى 7.2٪ من 9.4٪، بينما تسارعت مبيعات السلع إلى 6.0٪ مقابل 5.7٪، وقفزت الأنشطة المرتبطة بالسياحة إلى 19.1٪ مقابل 18.8٪، لتُسجّل مبيعات التجزئة الإجمالية نموًا قدره 9.1٪ خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر مقارنة بالعام السابق، وهو ما يراه طه مؤشرًا على طلب داخلي قوي لكنه أكثر رشادة مع اقتراب السياسة النقدية من مرحلة الموازنة بين دعم النمو واحتواء الأسعار.

ولفت طه إلى أن قطاع التجارة الخارجية لا يزال أحد أهم مصادر قوة الاقتصاد الفيتنامي؛ حيث سجّل الميزان التجاري فائضًا قدره 1.09 مليار دولار في نوفمبر 2025 مقابل 1.06 مليار دولار في نوفمبر 2024، مع نمو الصادرات بنسبة 15.1٪ إلى 39.07 مليار دولار، وارتفاع الواردات بنسبة 16.0٪ إلى 37.98 مليار دولار. وخلال الأحد عشر شهرًا الأولى من 2025 حققت فيتنام فائضًا تجاريًا تراكميًا بنحو 20.53 مليار دولار، مع زيادة الصادرات بنسبة 16.1٪ والواردات بنسبة 18.4٪، وبلغت قيمة شحنات السلع الصناعية المعالجة 381.72 مليار دولار، بما يعادل 88.7٪ من إجمالي الصادرات، بينما مثّلت مواد الإنتاج 383.96 مليار دولار أو 93.7٪ من إجمالي الواردات، مع استمرار الصين كمصدر رئيسي للمدخلات الصناعية. وأوضح طه أن الولايات المتحدة لا تزال أكبر سوق للصادرات الفيتنامية بقيمة 138.6 مليار دولار في أحد عشر شهرًا فقط، وأن صادرات 2024 إلى السوق الأمريكية كانت تمثل قرابة 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يكشف عن درجة انكشاف عالية على الاقتصاد الأمريكي، خصوصًا بعد توقيع اتفاق تجاري يفرض رسومًا أمريكية بنسبة 20٪ على الواردات القادمة من فيتنام، في إشارة إلى أن فيتنام تواجه في الوقت نفسه فرصة توسع ضخمة ومخاطر تجارية مرتفعة تتطلب تنويعًا أوسع للأسواق.

كما أكد طه أن قلب النمو الفيتنامي الحقيقي يظهر بوضوح في أرقام الإنتاج الصناعي؛ إذ ارتفع الإنتاج الصناعي في نوفمبر بنسبة 10.8٪ على أساس سنوي، مقارنة بقراءة مُعدَّلة بلغت 10.4٪ في الشهر السابق، ليُسجّل الاقتصاد عشرة أشهر متتالية من التوسع الصناعي، مدفوعًا بتسارع نمو التعدين والمحاجر إلى 7.0٪ من 6.1٪، وارتفاع التصنيع إلى 11.8٪ من 11.0٪، في حين تباطأ نمو توزيع الكهرباء والحرارة إلى 5.8٪ من 9.2٪، وتراجع نمو أنشطة المياه ومعالجة النفايات إلى 6.5٪ من 7.8٪، بينما سجل الإنتاج الصناعي نموًا شهريًا قدره 2.2٪، وبلغت الزيادة التراكمية في الإنتاج الصناعي خلال أحد عشر شهرًا 9.3٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يصفه طه بأنه “مؤشر صريح على أن فيتنام تثبّت موقعها كمصنع إقليمي للعالم في سلاسل القيمة الآسيوية”.

واختتم طه تصريحه بالتأكيد على أن فيتنام تدخل عام 2026 وهي تحمل مزيجًا نادرًا من: تضخم ما زال تحت سقف الخطر، واستثمار أجنبي قياسي، وصناعة في حالة توسع متواصل، مع فوائض تجارية قوية، لكنه حذّر في الوقت نفسه من أن استمرار هذه “المعادلة الذهبية” يتوقف على إدارة دقيقة لملف أسعار الغذاء، والتعامل الذكي مع الرسوم الأمريكية الجديدة، وتنويع الشركاء التجاريين بحيث لا تبقى فيتنام أسيرة لسوق واحد مهما كان حجمه.