محمد خميس رجب مبروك : رمضان .. والأمانة
من أجلّ الصفات التى يتصف بها المسلم صفة الأمانة ؛فالمسلم مأمور بالتزام الأمانة في كل أحواله ، قال تعالى ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) (الأحزاب 72) ، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط كمال إيمان العبد بمقدار أمانته ( فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ: ” لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ ” ) رواه أحمد ،ولما كان الأمر كذلك كان على المسلم أن يتصف بالأمانة امتثالا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وحتى يكمل إيمانه .
وإذا نظرت عزيزى القارىء إلى حال الناس في الواقع وجدت تقصيرا في التزام الناس بهذا الخلق الكريم وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن ضياع الأمانة من علامات الساعة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ) رواه البخاري .
وحينما تنظر إلى من يحافظون على الأمانات ستجد أن أكثرهم يقتصر مفهوم الأمانة عنده على معنى محدد وهو ( أن من يعطيه مالًا لكى يحفظه عنده فيؤديه إليه وقت طلبه فهو أمين) ،والحقيقة أن هذا معنى من معانى الأمانة وليس المعنى الوحيد – كما يظن البعض – ،ولكن الأمانة والحفاظ عليها تتنوع معانيها وتكون في كل شىء ، فعلى سبيل المثال ( العامل في مصنعه ،والموظف في مقر عمله ،والبائع والمشترى ؛إذا أخلص كل واحد منهم في أداء واجبه فهذه أمانة )؛ لذلك علينا أن ننظر إلى الأمانة بأفق واسع ومفهوم شامل لمعانيها .
وكما هو معلوم لديك أخى القارىء أن تعاليم الإسلام وعباداته تغرس الأخلاق الحسنة في نفس المسلم ؛فأود أن أشير إلى أن الصيام من أقوى العبادات التى تغرس الأمانة في نفوس الصائمين ،كيف ذلك؟!
– الصائم يجاهد نفسه حتى يكون مخلصا في صومه لله – تعالى – فيحافظ على الصيام في السر كما هو حاله في العلن فهذه أمانة .
– الصائم حين يمنع نفسه وجوارحه عن ارتكاب المحرمات في رمضان فيكون قد حافظ على جوارحه فهذه أمانة .
الصائم حينما يتكلم بالكلام الطيب ويكون صادقا في حديثه فقد حفظ العهد بينه وبين ربه فهذه أمانة .
فالصائم الصادق هو الذى يكون أمينا في صيامه فلا يغش ولا يتفحش في القول ولا يسرق ولا يغتاب ولا يقصر في عمله ولا يأكل حقوق غيره ولا ….. إلخ ؛بل هو أمين في صيامه فيستحق – بإذن الله – الجزاء العظيم الذى أعده الله للصائمين والذى أخفى عنا مقداره حتى يجتهد الصائم في عبادته لربه إلى أقصى درجة ففى الحديث ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ” ) رواه البخارى وغيره .
وهكذا يكون المسلم بمحافظته على جوارحه قد أعمل قوله تعالى ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) ( الإسراء 36 )
صيامك أمانة …… فحافظ على الأمانة .
وفي الختام .. نسأل الله أن يجعلنا من أهل الحفاظ على الأمانات وأن يرزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا وأحوالنا .
وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
محمد خميس رجب مبروك
الواعظ بالأزهر الشريف