د. عماد مجاهد : بين السائحين والسائحات
ورد لفظي السائحون والسائحات في القرآن الكريم في موضعين:
الأول: قوله تعالى:
ﱡ ﭐالتَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﱠ [ التوبة:112 ]
الثاني: قوله تعالى:
ﱡ عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﱠ [ التحريم:5 ]
فــ ” السَّائِحُونَ ” قيل: هم الصائمون ، و ” سَائِحَاتٍ ” قيل: هن الصائمات، وإليه ذهب جمهور المفسرين، وإنما قيل للصائم سائح؛ لأنه يترك اللذَّات كما يتركها السائح في الأرض، قال الزجاج: ومذهب الحسن أن السائحين هاهنا هم الذين يصومون الفرض، وقيل: إنهم الذين يديمون الصيام، وقال عطاء: السائحون المجاهدون، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: السائحون المهاجرون، وقال عكرمة: هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم، وقيل: هم الجائلون بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته وما خلق من العبر.
والسياحة في اللغة أصلها الذهاب على وجه الأرض كما يسيح الماء، وهي مما يعين العبد على الطاعة لانقطاعه عن الخلق، ولما يحصل له من الاعتبار بالتفكر في مخلوقات الله سبحانه .
” روي عن سلمة بن دينار عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة باباً يقال له الريان يدعى يوم القيامة يقال أين الصائمون؟ فمن كان من الصائمين دخله، ومن دخله لم يظمأ أبداً ” [ اخرجه الترمذي هذا الحديث وقال: حديث حسن صحيح غريب ]
فالسائح قد يعطش في الطريق، وكذلك الصائم الذي يشعر بالعطش، فيحتاج إلى ما يروي ظمأه ، فعبر بالحديث بالريان على وزن فعلان صيغة مبالغة من الري، وهو نهاية الشرب المانع عن طلب النفس الزيادة عليه، وهذا من باب المقابلة بالضد جزاء على إحسانهم فإنهم لما آثروا تعطيش أنفسهم لله تعالى مع القدرة على الري في الدنيا أدخلهم عند العجز عنه في تلك الدار من باب الريّ المتصل الذي لا عطش يخلفه تشريفاً لمقدارهم وتعريفاً بشريف آثارهم، وحق للصائم ان يسعد بهذا التقدير ويستمر في الحفاظ على صومه حتى يحافظ على هذا التشريف، فاللهم شربة لا نظمأ بعدها أبدا، تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.
د/ عماد مجاهد
إمام وخطيب ومدرس – وزارة الأوقاف
دكتوراة الشريعة الإسلامية