اخر الاخبارمسؤولية مجتمعية

التجارة غير المشروعة: التحدي المتزايد وكيف يمكن للوعي الاستهلاكي أن يقلب الموازين

تُعد التجارة غير المشروعة من أبرز التحديات التي تهدد الاقتصاد العالمي وصحة الأفراد، إذ تتجاوز مجرد تهريب السلع، لتشمل العديد من المنتجات الحيوية ولا تقتصر هذه الأنشطة على تهديد الأمن الاقتصادي، بل تسهم أيضًا في تعميق الفجوة الاقتصادية بين الدول. وتواجه الحكومات صعوبات جمة في التصدي لهذا الخطر، حيث تتفاقم المشكلات بفعل التقنيات الحديثة التي تسهل عمليات التهريب، فضلاً عن التقاعس في تطبيق القوانين.
وتتسبب التجارة غير المشروعة لسلع أساسية مثل المواد الغذائية، والأدوية، والسجائر المهرّبة، والأجهزة الإلكترونية، ومستحضرات التجميل في زعزعة استقرار الأسواق على المستويين المحلي والدولي، إذ تؤدي إلى تقليل الإيرادات الضريبية التي يعتمد عليها تمويل الخدمات العامة الأساسية. ما يزيد من تعقيد الموقف هو أن هذه التجارة تفتح المجال لظهور شبكات فساد معقدة، تستفيد من الثغرات القانونية والحدود التي يصعب ضبطها. وبالتالي، يؤثر هذا النظام غير القانوني في كل جانب من جوانب الاقتصاد، سواء من حيث الاستثمارات أو تدفق الأموال داخل الأسواق.
يشكل الوعي الاستهلاكي أحد العوامل الأساسية في الحد من انتشار التهريب. قد يبدو أن المستهلك ليس له دور كبير في مكافحة هذه التجارة الغير مشروعة، لكن الواقع يثبت العكس. فعندما يكون المستهلك قادراً على التمييز بين المنتجات الأصلية والمهربة، يصبح الأمر ممكناً في اتخاذ قرارات شراء أكثر مسؤولية. ويعزز هذا الوعي قدرة الفرد على مقاومة السلع غير القانونية، ويقلل من الطلب عليها. فكلما زاد وعي الناس بتأثيرات المنتجات المهربة على صحتهم وعلى استقرار الأسواق، كلما قلت فرص التجارة غير المشروعة في النمو.
من خلال التعاون بين الحكومات ووسائل الإعلام، يمكن إطلاق حملات توعوية شاملة تستهدف الجمهور العام، لتسليط الضوء على الأضرار التي تترتب على التجارة غير المشروعة. ولا تقتصر هذه الحملات على التوعية حول المخاطر الصحية فقط، بل تشمل التأثيرات الاقتصادية المدمرة. على سبيل المثال، في المملكة المتحدة، أطلقت الحكومة حملة توعية عبر الإعلانات التلفزيونية والمنصات الرقمية، بهدف توعية المواطنين بالمخاطر الصحية والاقتصادية للتبغ المهرب. ولم تقتصر هذه الحملات على توفير المعلومات فقط، بل ساهمت بشكل فعّال في تقليل الطلب على السجائر المهربة.
في دول مثل الولايات المتحدة، تزداد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الوعي حول المنتجات القانونية وغير القانونية. وتُستخدم هذه المنصات لتثقيف الجمهور حول كيفية التمييز بين المنتجات الأصلية والمهربة، والتأثيرات السلبية لهذه السلع على صحة الأفراد. وفي المملكة المتحدة، حققت حملات التوعية نجاحًا ملحوظًا، حيث انخفض الإقبال على شراء السجائر غير المشروعة بنسبة 15% خلال عام واحد فقط، مما يعكس فاعلية مثل هذه البرامج في تغيير سلوك المستهلك.
وقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها سامانثا فيلبي، الباحثة في وحدة الأبحاث بجامعة كيب تاون، أن حظر بيع التبغ قد أحدث تغييرات جذرية في سوق السجائر. ورغم أن بيع السجائر أصبح غير قانوني، إلا أن أكثر من 90% من المدخنين استمروا في شراء السجائر، لكن بأسعار أغلى. وقد أدى هذا الحظر إلى إرباك السوق لصالح الشركات المحلية التي وُجهت إليها سابقاً اتهامات بتغذية السوق غير المشروعة، مما يوضح تأثير السياسات المُتخذة في تغيير الأسواق والتلاعب في توازناتها.
في الختام، يمكن القول أن التجارة غير المشروعة لا تهدد فقط الاقتصاد العالمي، بل تطال صحة الأفراد بشكل خطير. ومع ذلك، فإن تغيير سلوك المستهلك من خلال حملات التوعية المستمرة يمكن أن يكون أحد الحلول الفعالة. ويمكن خفض الطلب على التجارة غير المشروعة بنسبة كبيرة، وذلك من خلال زيادة الوعي بين الأفراد حول المخاطر الصحية والاقتصادية لهذه المنتجات.