الهيئة الشرعية للمصرف المتحد : نحو صيرفة إسلامية وطنية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد …
يتميز الاقتصاد الإسلامي بتنوع العقود والصيغ المستخدمة في تمويل الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وعلى ذلك نشأت البدائل العملية في المصارف الإسلامية بديلاً متميزاً في عصرنا الحديث، فعلى سبيل المثال تتعدد احتياجات المتعاملين مع المصارف والبنوك لتشمل التجار، والزراع، والصناع، والمقاولين، والتعدين، والسياحة، ومقدمي الخدمات، والمبرمجين وخدمات التقنيات الحديثة، والحرفيين، وأصحاب المهن الحرة كالأطباء والمحامين والمهندسين، وغير ذلك كثير من الاعمال والأنشطة في جميع مجالات الحياة.
إن هذا التنوع الكبير في أنشطة ومجالات الاقتصاد الإنساني قديماً وحديثاً ما استطاعت البنوك التجارية على مسايرتها بالشكل الملائم ولم تشهد أدوات التمويل التقليدية تنوعاً مماثلاً لاحتياجات الناس الاقتصادية والتنموية، وظهرت ملامح مدرسة اقتصادية قادرة على هذا التنوع في ستينيات القرن الماضي وتتحرر من قيود البنوك التقليدية الى رحابة وسعة الاقتصاد المتمتع بالشمولية والتجرد والإنسانية، إنها النظرية الاقتصادية الناشئة من الفقه الإسلامي، وأحكامه الشرعية.
وتتباين الخصائص بين منهجية عمل البنوك التقليدية والمصارف الإسلامية في أبهى صورة لها عند الحديث عن تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر ، فالواجب في المصارف الإسلامية استخدام آليات متعددة تصلح لتمويل كافة أوجه نشاط ، وعلى الرغم من ان الصيغة الواحدة تصلح لتكوين العديد من المنتجات المصرفية القائمة على هذه الصيغة ، إلا ان كل صيغة و كل منتج يتمتع بخصوصية متفردة تجعل عملية التمويل ذات أبعاد مجتمعية وتنموية وتعظم من قيمة العمل وتدير التمويل ذاتياً دون الحاجة الى كثير من الضمانات الاضافية ، وتتلخص صيغ التمويل الإسلامي القادرة على الهيمنة على السوق المصرفي في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر على النحو التالي :-
المرابحة : وهو عقد البيع الأنسب استخدامه في الأنشطة التجارية بوجه عام ، لما يتميز بشرط وجود السلعة وشرط معرفة الثمنية والربحية لأطراف البيع، كما تتميز المرابحة باستقرار المديونية الناشئة عن البيع في ذمة المشترى مع إمكانية تأجيل السداد الى أقساط ، ويمكن للمصرف الإسلامي ان يستخدم المرابحة في تمويل المحلات التجارية وبعض الورش التي تعتمد على إعادة التصنيع او التصنيع الجزئي ، وكذلك تمويل استيراد السلع والخامات والبضائع من الخارج ، قال تعالى : ” وَأَحَلَّاللَّهُالْبَيْعَ” سورة البقرة : الآية (275).
السلم : وهو عقد بيع ايضاً ، يصلح في الأغلب في تمويل المشروعات الزراعية لما يتميز به من تسليم ثمن المحصول والثمار قبل تمام نضجها بل قبل البدء في زراعتها اصلاً على ان يرتبط بوزن معلوم ومدة محددة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَن أسْلَفَ في شيءٍ، فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم” ( رواه البخاري ).
الاستصناع: وهو احد عقود البيع الصالحة للاستخدام في الصناعة وتمويل الحرف والصناعات، كما انها تصلح لتمويل عقود المقاولات المختلفة سواء مقاولات البناء والتشييد أو مقاولات التجهيز والتشطيب،وقد ورد في السنة ان النبي استصنع خاتماً ومنبراً(رواه البخاري ) .
المشاركة المتناقصة : وهو عقد تشارك بين العميل والمصرف بنسب من راس مال المشروع ، يحصل فيه المصرف على عوائد المشاركة بالإضافة الى جزء من قيمة التخارج التدريجي ، حتى يؤول الأمر الى تخارج كامل للمصرف وحصوله على ربحية فعلية نتيجة مشاركة العميل في نشاطه ومشروعه ، كما يستفيد العميل من تعظيم حجم اعمال مشروعه وزيادة راس المال التي تنتهى الى رصيد العميل بتخارج المصرف، وقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام السائب بن ابى السائب رضي الله عنه وقال له يوم فتح مكة : ” مرحبًا بأخي وشريكي كان لايُدارِي ولايُمارِي ياسائبُ قد كُنْتَ تعمَل أعمالًا في الجاهليَّةِ لاتُقبَلُ منك وهي اليومَ تُقبَلُ منك وكان ذا سلف وصِلةٍ” ( رواه احمد في مسنده ) .
الاجارة المنتهية بالتملك والتأجير التمويلي : وهو عقد يؤجر فيه المصرف أحد ممتلكاته الرأسمالية او العقارية في مقابل استنزال قيمة الأصل بدفعة إضافية تسدد مع الايجار فيكون في نهاية عقد الايجار قد انتهى العميل من سداد قيمة الأصل بالكامل ويصبح من حقه ان ينقل المصرف ملكية الأصل اليه ، قال تعالى : ” قَالَت إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَمَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَاأُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ” سورةالقصص : الآيات (26 ، 27 ).
ويُعد هذا التنوع أحد أهم مميزات التمويل الإسلامي التي إن طبقت في المصارف الإسلامية فإنها تستوعب جل أنشطة الاقتصاد في مصرنا الحبية وتنشأ من خلالها القدرة على تجزئة المشروعات العملاقة الى مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر مثل العاصمة الإدارية، واستصلاح مليون فدان، وبناء مليون وحدة سكنية، وتنمية محور قناة السويس، وغيرها من المشروعات القومية التي لا غنى فيها عن سواعد شباب مصر وعقول مفكريها في إطار من تراثنا الإسلامي والعربي.