د .عماد محمد مجاهد : الاستقبال الفقهي لشهر رمضان

جرت العادة بالحديث الطيب للدعاة عن استقبال رمضان، وأكثر ما يأتي به الدعاة هو الحديث عن الاستعداد الإيماني والتعبدي لاستقبال رمضان، وهذا أمر لا بد منه، وهناك نوع من الاستقبال الفقهي لهذا الشهر المبارك يغفل عنه كثير من الدعاة يتناول المسائل الفقهية المتعلقة بقدوم الشهر نفسه ودخوله.
والاستقبال الفقهي حديث يتكامل مع الاستقبال الإيماني والتعبدي، وهو مفيد ونافع، وفيه تنظيم في التعامل مع قدوم شهر رمضان، وتعظيم لشأنه، وتقنين لحركته، وبيان لموقف المسلم من مقدمِه، وفيه الوقوف على الهدي النبوي الفقهي في قدوم شهر رمضان، وحسن التعامل معه، والبصيرة في الدخول فيه.
وسوف أخصص هذا المقال للحديث عن استقبال رمضان فقهيًا، وهذا نوع من الاستقبال الفقهي لهذا الشهر المبارك، يتناول بعض المسائل الفقهية المتعلقة بقدوم الشهر نفسه ودخوله.
يتمثل الاستقبال الفقهي لقدوم شهر رمضان الذي جاء في الهدي النبوي الفقهي؛ وذلك بأن لا نستقبل شهر رمضان بصوم يوم أو يومين قبل دخوله، فقد ثبت في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ” لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ، إِلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْماً، فَلْيَصُمْهُ ” .
ومعنى قوله: ” لا تقدموا ” أي: لا تسبقوا ، وفي هذا الهدي النبوي الفقهي دليل على النهي عن استقبال رمضان بالصيام قبل ثبوت دخول رمضان، وذلك بأن يصوم المسلم يوماً أو يومين من باب الاحتياط لرمضان، أو من باب التطوع .
وهذا النهي المذكور في الحديث محمول على التحريم على القول الراجح، ولكن يستثنى من ذلك من كان له عادة بصوم يوم معين؛ كالاثنين أو الخميس، فيصادف ذلك قبل رمضان بيوم أو يومين فلا بأس، لزوال المحذور.
ويستثنى من النهي كذلك من يصوم واجباً؛ كنذر، أو كفارة، أو قضاء رمضان الماضي، فكل ذلك جائز؛ لأنه ليس من الاحتياط في استقبال رمضان.
وقد ذكر العلماء شيئا من حكمة هذا النهي؛ من ذلك: تمييز فرائض العبادات عن نوافلها، والاستعداد لرمضان برغبة ونشاط، وإغلاق الباب أمام الزيادة في عدد أيام الصوم؛ لأنه إذا فتح باب النوافل والاحتياط قبل رمضان بيوم أو يومين، واستمر الناس على ذلك؛ فربما يظن الناس بعد زمن طويل أن اليوم واليومين من رمضان، فيزيدون فيه، وقد حدث في الأمم الماضية أنهم صاموا اليوم واليومين المنهي عنهما هنا، وقالوا: نصوم يوماً قبله احتياطاً له، ونصوم يوماً بعده احتياطاً له، فطال عليهم الزمن فدخل الصوم الاحتياطي في الأصلي مع تعاقب الأجيال ونسيان الأصل، ومن هنا كانت حكمة التشريع بمنع الصوم قبل رمضان وبعد رمضان مباشرة ليسلم الشهر للأمة وهذا ما كان – ولله الحمد – وهذا من بركات الاستقبال الفقهي لقدوم شهر رمضان …. فاللهم بلغنا رمضان وتقبل منا صالح الأعمال .
د/ عماد محمد مجاهد
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف