مسؤولية مجتمعية

د. محمد طه شيته : قبسات من بلاغة آيات الصيام

الحمد لله رب العالمين، والصلاه والسلام على اشرف المرسلين، وبعد،

فعندما هبت نسمات هذا الشهر الكريم عنّت لي آية الصوم، قال تعالى:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) سورة البقرة.

أول ما استأنست به من نور و نَوْر في هذه الآية: قوله:(شهر رمضان)، فتساءلت: ولمَ جاء رمضان معرفا بالإضافة؟

فتلمست في الإضافة تفخيما لهذا الشهر، وتعيينا له من باقي الشهور؛ حيث إنه شهر، ولكنه مميزٌ بالعبادة والخشوع، والقرآن.
والمعنى الكامن أو الرئيس وراء هذا: ما ذكره أحد المفسرين حتى لا يتوهم أحد أنها أيام قليلة من رمضان، بل الواجب صيام الشهر كله، فأي روعة أضافتها الإضافة، من حيث التفخيم في اللفظ والمعنى.

وما خرجتُ من هذه الروعة حتى وجدت جملة الصلة التي وصف بها هذا الشهر:(الذي أنزل فيه القران)، فهذه سمة وميزة يباهي فيها الشهر الكريم أقرانه من الشهور.

وتتوالى هذه الميزات بوصف القران الذي أنزل فيه بالهدى و البينات، بركة في بركة، وكلمة هدى الأولى: نكرة، والثانية: معرفة، فهل لهما نفس الدلالة؟
وإن اختلفت آراء المفسرين, حيث هناك من يقول أن الهدى الأولى هي نفسها الثانية, وأعيدت للعموم , وهناك من ذهب إلى القول أن الهدى الأولى النكرة المراد بها ما في القران من الإرشاد إلى المصالح العامة والخاصة,و أما البينات من الهدى ما في القرآن من الاستدلال على الهدى الخفي الذي يجهله كثير من الناس، فلا تكرار

ثم أخذني ذلك التقسيم العجيب في الآيات في أحوال الناس:(فمن شهد منكم الشهر فليصمه…ومن كا ن ……. ومن كان …)حتى ترى أن الرحمة الإلهية تزداد في هذا الشهر.

ثم توقفت طويلا عند كلمة (اليسر)، في قوله:(يريد الله بكم اليسر)، فرأيت أن في اختيارها مغزى عميقا، وأن في تفضيلها على كلمة: (التيسر) نُكتةٌ لا ينبغي تفويتها،
فوجدت(لسان العرب) يذكر ان اليُسر من السهولة والسماحة وقلة التشدد، وفي الحديث (إن هذا الدين يسر)، أما كلمة التيسير فهي التّسهيل.
وهكذا يتبن أن اليُسر الأمر السهل، أما التيسير فهو تيسُرهُ بعد صعوبته، فمراد التشريع: اليسر المباشر، ولا أدل على ذلك من رحمته سبحانه بعباده الذي هو أرحم عليهم من أمهاتهم.

وبالله التوفيق.
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
د/محمد طه شيته
وزارة الأوقاف