تحليلات ومقالات

الدكتور عبدالرحمن طه يكتب .. الذكاء الاصطناعي و أثرها على بيئة الأعمال

أعلم صديقي القارئ أنه وفي السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) محوراً أساسياً في تغيير بيئات العمل على مستوى العالم. فمن خلال تقديم حلول مبتكرة، وتحسين الكفاءة، وتعزيز عملية اتخاذ القرار، أصبحت الشركات تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهدافها. إذ تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 37% من الشركات حول العالم قد بدأت بالفعل في استخدام الذكاء الاصطناعي في عملياتها اليومية، وفقًا لتقرير صادر عن شركة Gartner لعام 2023. ولكن قبل التعمق في هذا الشأن من خلال عدة مقالات علينا أن نعرف أولا ، ما هو الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يمكن أن يؤثر على بيئة العمل؟
وللاجابة على التساؤل الأول وهو ما هو الذكاء الاصطناعي؟ فعلينا أن نعرف أن الذكاء الاصطناعي هو فرع من علوم الحاسوب يركز على تطوير أنظمة يمكنها التفكير، والتعلم، والعمل بطرق تشبه البشر. يتضمن ذلك التعرف على الأنماط، ومعالجة اللغة الطبيعية، و اتخاذ القرارات، والتعلم الآلي. إذ يتميز الذكاء الاصطناعي بقدرته على التعامل مع كميات ضخمة من البيانات وتحليلها بسرعة فائقة، مما يجعله أداة قوية لتحسين الكفاءة في العمل. وللذكاء الاصطناعي عدة انواع وصور في بيئة العمل:
اولها الذكاء الاصطناعي الضيق (Narrow AI): وهو يركز على أداء مهام محددة مثل التنبؤ بالمبيعات أو تحليل بيانات العملاء.
وثانيها الذكاء الاصطناعي العام (AGI): ويهدف هذا النوع إلى محاكاة الذكاء البشري، لكنه لا يزال في مرحلة التطوير.
أما النوع الثالث فهو التعلم الآلي (Machine Learning): الذي من خلاله يساعد الأنظمة على التعلم من البيانات وتقديم توقعات دقيقة.
وبهدما تهرفنا على تهريفه وانواعه يمكننا سرد دور الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل
عليك أن تعلم سيدي القارئ أن دور الذكاء الاصطناعي يشتغل في المقام على تحسين الكفاءة التشغيلية ، إذ يساعد الذكاء الاصطناعي في أتمتة العمليات الروتينية مثل معالجة البيانات طوإدارة المهام الإدارية.
وفقًا لدراسة من McKinsey، فإننا نجد و أنه يمكن أن توفر الأتمتة باستخدام الذكاء الاصطناعي حوالي 30% من الوقت الذي يُنفق على المهام الإدارية في الشركات. هذا من ناحية أولى اما من ناحيه ثانية فإن الذكاء الاصطناعي يقوم وتحليل البيانات واتخاذ القرار
فالذكاء الاصطناعي يستطيع العمل على تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة كبيرة، مما يمنح الشركات القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة.وعلى سبيل المثال، تُظهر بيانات شركة Salesforce أن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات العملاء أدى إلى زيادة بنسبة 20% في الإيرادات لدى الشركات التي اعتمدت عليه.ومن ناحية ثالثة يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تخصيص تجربة لخدمة العملاء
إذ تستخدم العديد من الشركات الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة العملاء، مثل التوصيات الشخصية التي تقدمها منصات مثل Amazon وNetflix. هذا التخصيص أدى إلى تحسين معدلات رضا العملاء بنسبة تصل إلى 35%، وفقًا لتقرير صادر عن PwC. ومن ناحية رابعة يساعد الذكاء الاصطناعي على تعزيز الابتكار ، وذلك من خلال تقديم رؤى جديدة من البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الشركات على تطوير منتجات وخدمات مبتكرة.
مثال ذلك شركات السيارات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتطوير سيارات ذاتية القيادة، مثل Tesla.
ويمكننا إعطاء أمثلة على تطبيق الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل
اولا : الموارد البشرية :- والتي يبدو أن إزعاجها البشري للموظفين سيختفي قريبا إذ يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات التوظيف من خلال تحليل السير الذاتية وتحديد أفضل المرشحين. مما يزيد من فرص الكفاءات وتقلل من فرص الواسطة والمحاباة ، كما تُستخدم روبوتات المحادثة (Chatbots) في تدريب الموظفين وتقديم الدعم الفوري لهم.
ثانيا: الإنتاجية وإدارة الوقت : والتي تعد مشكلة اساسية للشركات حول العالم فهناك أدوات مثل Trello وAsana تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة المشاريع وتتبع التقدم الذي تحقق الشركة
ووفقًا لتقرير ل Forbes، فإن الشركات التي اعتمدت على أدوات الذكاء الاصطناعي شهدت زيادة في الإنتاجية بنسبة 15-20% ، وهو ما يرغب به رجال الأعمال

ثالثا : الأمن السيبراني حديث العالم وخط الدفاع الأول للدول والأمن المالي العالمي وفيه تعتمد الشركات على الذكاء الاصطناعي لاكتشاف التهديدات الأمنية وحماية البيانات الحساسة. فعلى سبيل المثال، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل السلوك غير المعتاد على الشبكات وتنبيه الفرق الأمنية فورًا.
ولعل كل ماسبق يظهر الأمر وكانه الذكاء الاصطناعي منوط به تحويل الأرض لجنة إلا أن الأمر لا يخلو من العديد من التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل نذكر بعضها 1. التكلفة العالية للتنفيذ: إذ تشير التقارير إلى أن تنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يتطلب استثمارات كبيرة، وهو ما يمكن أن يشكل عقبة أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة ، 2. الخصوصية وأمن البيانات : فمع زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي، يصبح تأمين البيانات أمرًا ضروريًا. وقد أظهرت دراسة من IBM أن حوالي 45% من الشركات تواجه صعوبات في حماية بيانات العملاء أثناء استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.3. المخاوف بشأن فقدان الوظائف: وهو الهاجس الاجتماعي العالمي المسيطر الأن إذ
مع أتمتة المزيد من المهام، تزداد المخاوف بشأن فقدان الوظائف التقليدية. إذ تشير تقارير World Economic Forum إلى أن 85 مليون وظيفة قد تكون مهددة بسبب الأتمتة بحلول عام 2025، ولكن في المقابل قد يُخلق 97 مليون وظيفة جديدة تتطلب مهارات مختلفة . والصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد فهناك مستقبل واعد للذكاء الاصطناعي في بيئة العمل ولذلك عدة امارات منها 1: زيادة التبني في مختلف القطاعات،
فمن المتوقع أن يصل الإنفاق على الذكاء الاصطناعي إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقًا لتقرير صادر من Statista.
وقطاعات مثل الصحة، التعليم، والطاقة ستشهد زيادة كبيرة في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.2: التركيز على التعاون بين الإنسان والآلة، وهي بادرة تفاؤل و ضوء فبدلاً من استبدال البشر، سيركز المستقبل على كيفية تعزيز التعاون بين الإنسان والآلة لتحقيق أفضل النتائج.و تقنيات مثل “الذكاء الاصطناعي التعاوني” (Collaborative AI) ستسهم في تحسين الأداء والإبداع في مكان العمل؛ بجانب 3. تدريب القوى العاملة: إذ سوف تحتاج الشركات إلى تدريب موظفيها على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وتطوير مهارات تحليل البيانات والتفكير الإبداعي.

عزيزي القارئ عليك إدراك أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تكنولوجية، بل هو عامل تغيير جذري في بيئة العمل. مع استمراره في التطور، ستستفيد الشركات التي تتبناه بشكل استراتيجي من تحسين الكفاءة، زيادة الإيرادات، وتعزيز قدرتها التنافسية. ومع ذلك، يجب التعامل مع التحديات المرتبطة به بحذر لضمان تحقيق أقصى استفادة منه بطريقة أخلاقية ومسؤولة.
كما المستقبل يحمل الكثير من الفرص، ويبقى السؤال: هل شركتك مستعدة لتبني الذكاء الاصطناعي كجزء من استراتيجيتها؟

الدكتور عبد الرحمن طه

خبير الأقتصاد الرقمي