الشيخ مبروك وجيه : الرضا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الاكملان الطيبان الزكيان الدائمان المباركان علي سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا:
وبعد . . . ؛
فإن الرضا ثمرة من ثمار المحبة ، وهو من أعلى مقامات المقربين ، وحقيقته غامضة على الأكثرين ، وهو باب الله الأعظم ، ومستراح العارفين ، وجنة الدنيا ، فجدير بمن نصح نفسه أن تشتد رغبته فيه ، وأن لا يستبدل بغيره منه ، أن ترضى عن الله ، لا بلسانك ، ولكن بقلبك وجنانك .
والرضا هو رضا العبد عن الله : بأن لا يكره ما يجري به قضاؤه ، ورضا الله عن العبد أن يراه مؤتمراً بأمره منتهياً عن نهيه .
ونعمة الرضا، ذلكم السلاح الفتّاك الذي يقضي بحدّه على الأغوال الهائلة التي ترعب النفسَ فتضرب أمانها واطمئنانَها بسلاح ضعف اليقين والإيمان؛ لأن من آمن عرف طريقَه، ومن عرف طريقه رضي به وسلكه أحسنَ مسلكٍ ليبلغَ ويصل، لا يبالي ما يعرض له؛ لأن بصرَه وفكره متعلقان بما هو أسمى وأنقى من هذه الحظوظ الدنيوية.
والمسلم الحق هو من يسلم أموره كلها ويجعلها خالصة لله رب العالمين , حتى ترضى نفسه ويطمأن قلبه , قال تعالى : \” قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:162-164].
والمسلم الحق هو الذي يعجل إلى ربه ويفر إليه طالبا رضاه : \” وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) سورة طه.
عَنْ ثَوْبَانَ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي : رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا ، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ. أخرجه التِّرْمِذِي (3389) .
قال معروف الكرخي: قال لي بعض أصحاب داود الطائي: إياك أن تترك العمل، فإن ذلك الذي يقربك إلى رضا مولاك، فقلت: وما ذلك العمل قال: دوام الطاعة لمولاك , وحرمة المسلمين، والنصيحة لهم (وفيات الأعيان 5/232).
فقلة الرضا سبب لتعاسة الإنسان في هذه الحياة , وسبب لهجوم الهموم والغموم عليه .
سئل الحسن البصري: من أين أتِي هذا الخلق؟ قال: “من قِلَّة الرضا عن الله”، قيل له: ومن أين أتي قلّة الرضا عن الله؟ قال: “من قلّة المعرفة بالله”.
عن عبد الرحمن بن إبراهيم الفهري : عن أبيه قال : أوحى الله عز وجل إلى بعض أنبيائه : إذا أوتيت رزقا مني فلا تنظر إلى قلته ، ولكن انظر إلى من أهداه إليك ، وإذا نزلت بك بلية ، فلا تشكني إلى خلقي ، كما لا أشكوك إلى ملائكتي حين صعود مساوئك وفضائحك إلي (المنتخب من كتاب الزهد والرقائق , للخطيب البغدادي 1/108.).
لما نزل بحذيفة بن اليمان الموت جزع جزعاً شديداً فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : ما أبكي أسفا على الدنيا بل الموت أحب إلي ولكني لا أدري على ما أقدم على الرضا أم على سخط ؟. ابن أبي الدنيا : المحتضرين 1/122.
قال ابن سعدان:
تقنَّع بما يكفيك والتمس الرِّضا * * * فإنَّك لا تدري أتصبح أم تمسي
فليس الغنى عن كثرة المال إنَّما * * * يكون الغنى والفقر من قبل الَّنفس
وجنة الرضا جنة عامرة غامرة فيها من النعيم المقيم , والسعادة الخالدة الأبدية التي لو علمها كل إنسان لسعد في دنياه وانتظرته السعادة في أخراه , تلك السعادة التي وصفها الله تعالى حينما قال في محكم تنزيله : ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. آية (97) سورة النحل .
وتلك النعمة التي إذا أُعطيها العبد لكفته من نعمة , فالمؤمن الحق هو الذي يجد الأمن النفسي، هو الذي يجد الراحة والطمأنينة، ” الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ . سورة : [الأنعام:82].
الأمن بجميع صوره، الأمن في الأموال، الأمن في الأنفس، الأمن في الأولاد، الأمن في العتاد، الأمن في الحياة.
فهو راض على كل حال , فلا تراه إلا حامدا شاكرا , ويقول : إننا والله في نعمة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف\”!!.
قال ابن عجيبة في تفسيره : \”إذا عَلِمَ العبدُ أن الله كاف جميع عباده ، وثق بضمانه ، فاستراح من تعبه ، وأزال الهموم والأكدار عن قلبه ، فيدخل جنة الرضا والتسليم ، ويهب عليه من روح الوصال وريحان الجمال نسيم ، فيكتفي بالله ، ويقنع بعلم الله ، ويثق بضمانه.البحر المديد 5/320.
فليتك تحلو والحياة مريرة * * * وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر * * * وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين * * * وكل الذي فوق التراب تراب
و قد رضي الله الإسلام ديناً لهذه الأمة ، فهذا مما رضيه سبحانه قال تعالى :\” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3).سورة المائدة..
ويوم القيامة ستكون العيشة الراضية عاقبة هؤلاء و أهل اليمين ، قال سبحانه وتعالى : “فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24). سورة الحاقة.
فالسعيد الحق هو من رضي بما قسم الله له , وصبر لمواقع القضاء خيره وشره , وأحس وذاق طعم الإيمان بربه , كما قال المصطفى – صلى الله عليه وسلم – : \” ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رضي بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً. . أخرجه أحمد 1/208(1778) و\”مسلم\” 1/46(60) والتِّرْمِذِيّ\” 2623 .
ولقد كتب الفاروق إلى أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنهما ـ يقول له: (أما بعد، فإن الخير كله في الرضى، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر).
قال صلى الله عليه وسلم: \” عَنْ ثَوْبَانَ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي : رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا ، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ.. أخرجه أحمد 1/208(1778) و\”مسلم\” 1/46(60) والتِّرْمِذِيّ\” 2623 .
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا. البُخَارِي ، في \”الأدب المفرد\”300 و\”ابن ماجة\”4141 و\”التِّرمِذي\” 2346 .
قال أحدهم :
إذا اشتدت البلوى تخفّفْ بالرضا * * * عن الله قد فاز الرضيُّ المراقب
وكم نعمة مقرونة ببليّة * * * على الناس تخفى والبلايا مواهب
قيل ليحيى بن مُعاذ رحمه الله: متى يبلغ العبد مقام الرضا؟ قال: إِذا أَقام نفسه على أَربعة أُصول فيما يعامل به ربِّه، فيقول: إن أعطيتني قَبِلْت، وإِن منعتني رضيت، وإِن تركتني عبدت، وإِن دعوتني أَجبت .
من أنواع الرضا وعلاماته:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :\”إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ. أخرجه البخاري 8/131(6502) .
والرضا نوعان:
أحدهما: الرضا بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه. ويتناول ما أباحه اللّه من غير تعدٍ إلى المحظور، كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} . التوبة: 62.
والنوع الثاني: الرضا بالمصائب، كالفقر والمرض ، فهذا الرضا مستحب في أحد قولي العلماء وليس بواجب، وقد قيل: إنه واجب، والصحيح أن الواجب هو الصبر. كما قال الحسن: الرضا غريزة، ولكن الصبر معول المؤمن.
وأما عن علامات الرضا فقد قال العلماء: علامات الرضا ثلاث:
1. ترك الاختيار قبل القضاء بالاستخارة.
2. فقد المرارة عند القضاء.
3. دوام حب الله في القلب بعد القضاء.
قال ابن القيم: \” الطريق طريقٌ تعِب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورُمي في النار الخليل ، وأُضْجع للذبح إسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ، ونُشر بالمنشار زكريا ، وذُبح السيد الحصور يحيى ، وقاسى الضرَّ أيوب … وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم \” . الفوائد ص (42).
القطفة الثالثة :من ثمار الرضا :
1- في الرضا السعادة والغنى الكامل :
عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ يَأْخُذُ مِنْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ، ثُمَّ قَالَ : اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ. . أخرجه أحمد (2/310 ، رقم 8081) ، انظر حديث رقم : 100 في صحيح الجامع.
فمنْ ملأ قلبه من الرضا بالقدر ، ملأ اللهُ صدرهُ غِنىً وأمْناً وقناعةً ، وفرَّغ قلبه لمحبَّتِه والإنابِة إليه ، والتَّوكُّلِ عليه . ومنْ فاته حظُّه من الرِّضا ، امتلأ قلبُه بضدِّ ذلك ، واشتغل عمَّا فيه سعادتُه وفلاحُه .فالرِّضا يُفرِّغُ القلب للهِ ، والسخطُ يفرِّغُ القلب من اللهِ ، ولا عيش لساخِطٍ ، ولا قرار لناقِمٍ ، فهو في أمر مريجٍ ، يرى أنَّ رزقهُ ناقصٌ ، وحظَّهُ باخِسٌ ، وعطيَّتهُ زهيدةٌ ، ومصائبهُ جمَّةٌ ، فيرى أنه يستحقّ أكْثر منْ هذا ، وأرفع وأجلَّ ، لكنّ ربَّه – في نظرِهِ – بخسهُ وحَرَمَه ومنعَهُ وابتلاه ، وأضناهُ وأرهَقَه ، فكيف يأنسُ وكيف يرتاح ، وكيف يحيا ؟ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ .28 سورة محمد.
قال الشافعي:
دع الأيامَ تفعل ما تشاءُ * * * وطِبْ نفساً بما حَكَمَ القضاءُ
ولا تَجْزعْ لحادثِة الليالي * * * فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ
وكن رجلاً على الأهوالِ جَلْداً * * * وشيمتُكَ المروةُ والوفاءُ
وإِن كثرتْ عيوبُكَ في البرايا * * * وسرَّكَ أن يكون لها غطاءُ
تسترْ بالسَّخاءِ فكل عَيْبٍ * * * يغطيه كما قيلَ السخاءُ
2- الرضا يخلص العبد من مخاصمة الرب :
فإنَّ السُّخط عليهِ مُخاصمةٌ له فيما لميرض به العبدُ ، وأصلُ مخاصمةِ إبليس لربِّه : منْ عَدَمِ رضاه بأقْضِيَتِه ، وأحكامِه الدِّينيِة والكونيِة
ومن أهم الأمور التي تؤدي إلى الرضا والتسليم بأقدار الله عز وجل الإيمان بالله سبحانه وتعالى وحسن التوكل عليه وتدبر القرآن الكريم والحرص على عدم تفويت الأجر وتوطين النفس على أن الدنيا لن تدوم على حال ولإي إنسان فإن تقبل الأمر يصبح هينا وتهون كل الهموم على عتبة الرضا والعبودية لله عز وجل عن صهيب بن سنان الرومي عن الرسول صلى الله عليه وسلم : عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سرّاء شكر ؛ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر ؛ فكان خيراً له .رواه مسلم .سند صحيح.
ولله در القائل
العبد ذو ضجر والرب ذو قدر* * * والدهر ذو دول والرزق مقسوم
والخير أجمع فيما اختار خالقنا * * * وفي اختيار سواه اللوم والشوم
وقال بعض السلف : لو قرض لحمى بالمقاريض كان أحب إلي من أن أقول لشيء قضاه الله : ليته لم يقضه .
ما مسني قدرٌ بكرهٍ أو رضا ** * إلا اهتديت به إليك طريقا
أمضى القضاء على الرضا منّي به * * * إني عرفتك في البلاء رفيقا
3- السلامة كل السلامة في الرضا :
عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا. أخرجه أحمد 3/103(12025) . والبُخَارِي 1/10(16) و\”مسلم\” 1/48(74) .
وأما والسُّخطُ فإنه يفتحُ عليك باب الشَّكِّ في اللهِ ، وقضائه ، وقدرِه ، وحكمتِهِ وعلمِهِ ، فقلَّ أنْ يَسْلَمَ الساخِطُ منْ شكٍّ يُداخلُ قلبه ، ويتغلغلُ فيه ، وإنْ كان لا يشعرُ به ، فلوْ فتَّش نفسه غاية التفتيشِ ، لوَجَدَ يقينهُ معلولاً مدخولاً ، فإنَّ الرضا واليقين أخوانِ مُصطحبانِ ، والشَّكَّ والسُّخط قرينانِ ، وهذا معنى الحديثِ الذي في الترمذيِّ : إنِ استطعت أن تعمل بالرِّضا مع اليقينِ ، فافعل . فإن لم تستطع ، فإن في الصبر على تكره النَّفْسُ خيْراً كثيراً .
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا جلوساً مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ) ، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى ، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت فقال: نعم ، قال أنس : وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاَ غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأ قتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق.رواه أحمد (12405) والنسائي
وصلي الله تبارك وتعالى علي الحبيب المصطفى وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا