دكتور عبد الرحمن طه يكتب .. الباكس سيليكا وإعادة هندسة سلاسل الإمداد العالمية

انهاردة كلامنا هيكون عن اعادة تشيكل سلاسل الامداد في ظل الثورة الصناعية الرابعة . المعروف أن سلاسل امداد صناعة الرقائق ذات صبغة عالنية تكاملية يعني دول العالم معتمدة على بعضها مفيش دولة تقدر تستغنى عن دولة تانية، وهو ما تؤكده أرقام الصناعة حيث تتجاوز القيمة السوقية العالمية لأشباه الموصلات 600 مليار دولار سنويًا، وتشارك أكثر من 40 دولة بشكل مباشر في مراحل إنتاج مختلفة، بمعنى اوضح إن سلاسل الامداد شديد التشابك فهتلاقي التصميم في أمريكا من خلال شركات زي(NVIDIA – AMD – Qualcomm)
التي تسيطر مجتمعة على أكثر من 65٪ من سوق تصميم الرقائق المتقدمة عالميًا، بينما تتجاوز حصة الولايات المتحدة 85٪ من سوق تصميم معالجات الذكاء الاصطناعي
وهلاقتي معدات التصنيع موجودة في هولندا(ASML) وهي الشركة الوحيدة عالميًا التي تنتج معدات ال EUV
المستخدمة في تصنيع الرقائق المتقدمة، حيث تمتلك احتكارًا كاملًا بنسبة 100٪ في هذه التكنولوجيا
وفي أمريكا زي شركة
(Applied Materials) التي تستحوذ على ما يقارب 23٪ من سوق معدات تصنيع أشباه الموصلات عالميًا وطبعا التصنيع المتقدم هتلاقيه في تايوان في شركة (TSMC)
التي تنتج وحدها أكثر من 55٪ من الرقائق المصنعة عالميًا، وتصل حصتها في الرقائق المتقدمة (أقل من 7 نانومتر) إلى أكثر من 90٪.وفي كوريافي شركة(Samsung) التي تسيطر على نحو 15–18٪ من سوق التصنيع التعاقدي للرقائق، إضافة إلى كونها أكبر منتج لذاكرة DRAM وNAND عالميًا
ونيجي عند التجميع والاختبار والمعالجة هنلاقيهم في الصين وجنوب شرق آسيا حيث تستحوذ الصين وحدها على ما يقارب 35٪ من عمليات التجميع والاختبار عالميًا، بينما تسيطر آسيا ككل على أكثر من 75٪ من هذه المرحلة
وطبعا المعادن والكيماويات الصين لاعب محوري في المعالجة والتكرير إذ تسيطر على نحو 60٪ من معالجة الليثيوم، وأكثر من 70٪ من معالجة الكوبالت، ونحو 80٪ من معالجة المعادن الأرضية النادرة
والمعادن نفسها متوزعة بين امريكا الجنوبية وافريقيا و روسيا والصين حيث تمثل أمريكا اللاتينية أكثر من 55٪ من احتياطيات الليثيوم العالمية، بينما تمتلك أفريقيا نحو 65٪ من احتياطيات الكوبالت .
هذا التشابك هو جوهر العولمة الصناعية بشكل عام إلا ان التنافس الامريكي الصيني خلا هناك تشابك في اهداف وتعارض مصالح القوى العظمى، خاصة مع تجاوز حجم التجارة التكنولوجية بين البلدين 300 مليار دولار سنويًا قبل بدء القيود المتبادلة، ومن هنا ظهر
تحالف باكس سيليكا Pax Silica
وهي مبادرة وتحالف دولية تقوده الولايات المتحدة يهدف إلى بناء وتأمين سلسلة توريد عالمية مستقرة وآمنة للسيليكون والتكنولوجيا المتقدمة — خاصة في مجالات أشباه الموصلات (Chips) والذكاء الاصطناعي (AI) والمعادن الحيوية اللازمة لهذه الصناعات، في ظل توقعات بأن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي عالميًا إلى أكثر من 1.8 تريليون دولار بحلول 2030، و لتخفيف سيطرة الصين على سلاسل الامداد التكنلوجية
وكلمةPax باللاتينية تعني السلام/والاستقرار. و كلمة Silica تشير إلى مادة السيليكا، وهي المادة الخام التي تُنتج منها السيليكون (Silicon) المستخدم في رقاقات الكمبيوتر وأشباه الموصلات، حيث يمثل السيليكون أكثر من 90٪ من مكونات الرقائق الإلكترونية الحديثة .
والهدف الرئيسي لهذا التحالف تحقيق أمن واستدامة سلاسل التوريد العالمية للمواد والتقنيات الأساسية للثورة الرقمية، من المعادن الحيوية والطاقة إلى التصنيع المتقدم والرقاقات والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي، خصوصًا بعد أن أظهرت أزمة كوفيد-19 أن تعطّل سلاسل الرقائق كلف الاقتصاد العالمي أكثر من 500 مليار دولار في عام واحد، وتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد التي تهيمن عليها دولة واحدة وهي الصين
، حيث تُعد الصين لاعباً مركزياً في المعالجة والتصدير للعديد من المعادن الحيوية وسلاسل التوريد التكنولوجية، وتستورد وحدها ما يزيد عن 400 مليار دولار سنويًا من أشباه الموصلات، وهو رقم يفوق وارداتها من النفط
وإلى الان فإن الدول المشاركة (حتى ديسمبر 2025): الولايات المتحدة (الراعي والمبادِر) واليابان ثالث أكبر منتج لمعدات الرقائق عالميًا
وكوريا الجنوبية التي تسيطر على أكثر من 60٪ من سوق ذاكرة العالم
وسنغافورة كمركز لوجستي وتصنيعي يمر عبره أكثر من 20٪ من تجارة أشباه الموصلات في آسيا وهولندا والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة التي ضخت استثمارات تتجاوز 50 مليار دولار في سلاسل التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي وأستراليا كمصدر رئيسي للمواد الخام والمعادن الحيوية.
هذه المجموعة مختارة وفقاً لما تمتلكه من أدوار محورية في سلاسل التوريد التكنولوجية والتصنيع المتقدم.
والسؤال اللي بيطرح نفسه هل اعادة هندسة العولمة في عصر الثورة الصناعية الرابعة هينجح ولا لا، وايه رد فعل الصين تجاه هذا التحالف، وهل هتظهر قطب ثاني امام هذا التحالف ولا لا؟
بقلم الدكتور عبدالرحمن طه
خبير الهندسة الجيو-اقتصادية



